الخُلاصَةُُ
في أَركانِ الإيمانِ
إعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي نايف الشحود
حقوق الطبع لكل مسلم
الطبعة الخامسة
1432هـ - 2011 م
مزيدة ومنقحة
عن الكتاب
مقدمات حول العقيدة
المبحث الأول
مفهوم العقيدة الإسلامية
العقيدة الإسلامية هي: مجموعة من الأسس والمبادئ المتعلقة بالخالق عز وجل والنبوات، وما أخبر به الأنبياء من الأمور الغيبية، مثل الملائكة والبعث واليوم الآخر وغيرها من الأمور التي أخبر بها الرسل بناءاً على ما أوحَى الله عز وجل إليهم، ومن ثمَّ دعوا الناس إلى الإيمان الجازم بها مع اعتقاد بطلان كلِّ ما يخالفها.
ما يدخل في مفهوم العقيدة الإسلامية:
1 - ما يتعلق بالله تعالى وكل ما أخبر به عن نفسه تعالى: ذاتا، وصفاتا، وأفعالا.
2 - الرسل الكرام الذين بعثهم الله تعالى برسالاته إلى البشر، وما يتعلق بأولئك الرسل عليهم السلام من صفات، وما يجب في حقهم، وما يستحيل عليهم، وما هوجائز منهم.
3 - الأمور الغيبية: وهي التي لا يمكن الوصول إلى معرفتها إلا بوحي من الله تعالى، بواسطة رسول من رسله- عليهم السلام- أوكتاب من كتبه.
ويدخل في هذه الأمور:
1 - الملائكة: فيجب الإيمان بهم جملة، وبمن علمنا اسمه، ومن علمنا عمله تفصيلاً.
2 - الكتب: فيجب الإيمان بأن لله كتبا أنزلها على رسله عليهم السلام. فنؤمن بما نص عليه تفصيلا كما قال الله تعالى: { .. وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (55) سورة الإسراء، وقوله {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ... } (44) سورة المائدة، وقوله تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فِيهِ ... } (47) سورة المائدة، كما نؤمنُ بما لم يسمَّ منها إجمالا.
3 - اليوم الآخر: وما يتعلق بوقته وكلُّ ما أخبرنا به مما يقع فبه من البعث والنشور والحساب والجنة والنار وغير ذلك.
4 - أخبار بدء الخليقة وما يتعلق بذلك.
أركان الإيمان
هذه الأركانُ هي الركائز الأساسية التي يقوم عليه البناءُ الإيمانيُّ، وكلها تتعلق بأمور يعتقدها المؤمن اعتقادا جازما بناء على ما ورده من خبر صادقٍ بخصوصها. كما أنَّ هذه الأركان متفق عليها بين جميع الرسالات المنْزلة من عند الله تعالى، حيث دعا كلُّ رسول قومه للإيمان بها كما قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (13) سورة الشورى.
أي شَرَعَ اللهُ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا شَرَعَ لِنُوحٍ، وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَرْبَابِ الشَّرَائِعِ وَأُوْلِي العَزْمِ مِنَ الرُسُلِ، وَأَمْرَهُمْ أَمْراً مُؤَكَّداً مِمَّا هُوأَصْلُ الإِيْمَانِ، وَأَصْلُ الشَّرَائِعِ، مِمَّا لاَ يَخْتَلِفُ بِاخْتَلافِ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ: كَالإِيْمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَالإِيْمَانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ، وَالإِيْمَانِ بِالمَلاَئِكَةِ وَالكُتُبِ والرُّسُلِ. وَقَدْ أَوْصَاهُمْ تَعَالَى جَمِيعاً بِإِقَامَةِ دِينِ التَّوْحِيدِ والتَّمْسُّكِ بِهِ، وَبِحِفْظِهِ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِيهِ زَيغٌ أَواضْطِرَابٌ، وَبِأَلاَّ يَتَفَرَّقُوا فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَمَبَادِئِهَا.
(أَمَّا فِي التَّفَاصِيلِ فَقَدْ جَاءَ كُلُّ مُرْسَلٍ بِمَا يُنَاسِبُ قَوْمَهُ وَزَمَانَهُ (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً).
وَقَدْ شَقَّ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا دَعَوْتَهُمْ إِلَيهِ مِنَ التَّوْحِيدِ، وَتَركِ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وَمَا أَلْفَوْا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ، وَاللهُ يَصْطَفِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيُقَرِّبُهُمْ إِلَيهِ، وَيُوَفِّقُهُمْ لِلعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَأتِّبَاعِ رُسُلِهِ. (1)
أهمُّ خصائصِ العقيدة الإسلامية
1 - إنَّ أولى خصائص هذه العقيدة أنها ربانيةٌ من عند اللهِ، وأنها لم تتغيرْ ولم تتبدلْ، وهذا يطمئنُ النفسَ أنها خيرٌ لأنفسنِا، وأنَّ السعادةَ تكمنُ في تنفيذها، وأنَّ الشقاءَ يترتبُ على تركها:
أ. فالخيرُ والبركةُ والسعادةُ ووفرة ُالإنتاج كلُّها من بركاتِ تطبيقِ الشريعة المبنية على هذه العقيدة، قال تعالى: {وَلَوأَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. (الأعراف: 96). وقال تعالى: {وَلَوأَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} (المائدة: 66)
ب. وما دامتْ ربانيةٌ من الله عز وجلَّ فإنها مبرأةٌ من النقصِ، سالمةٌ من العيب، بعيدةٌ عن الحيفِ والظلم، لأنَّ اللهَ له المثل الأعلى في السماوات والأرض ِ، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (90) سورة النحل. وقال تعالى: { ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا .. } (3) سورة المائدة
ج-. ومادامتْ ربانيةً فهي التي تشبعُ جَوعةَ الفطرةِ للعبادةِ لا يسدُّها إلا منهاجُ الله، ولا تملأُها النظمُ الفلسفيةُ، ولا السلطانُ السياسيُّ، ولا الثراءُ الماليُّ، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (30) سورة الروم
وهذه الجوعةُ الفطريةُ للجوع إلى قوةٍّ عليا تبرزُ باديةً للعِيان أمام َالأعاصيرِ والكوارثِ والمحنِ، فهذا (ستالين) الذي كان يقولُ: (لا إلهَ والحياةُ مادةُّ، والدينُ علقةٌ تمتصُّ دماءَ الشعوبِ) يضعفُ أمامَ هولِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ، فإذا به يُخرجُ القساوسةَ منَ السجنِ
فوائد الإيمان وثمراته
كم للإيمان الصحيح من الفوائد والثمرات العاجلة والآجلة، في القلب والبدن والراحة، والحياة الطيبة، والدنيا والآخرة. وكم لهذه الشجرة الإيمانية من الثمار اليانعة، والجني اللذيذ، والأكل الدائم، والخير المستمر، أمور لا تحصى، وفوائد لا تستقصى. ومجملها أن خيرات الدنيا والآخرة، ودفع الشرور كلها من ثمرات هذه الشجرة.
إن منْ حكمة الله الربانيةِ أن جعل قلوبَ عباده المؤمنين تحسُّ وتتذوق وتشعر بثمرات الإيمان لتندفع نحومرضاته والتوكلِ عليه سبحانه وتعالى. فإنَّ شجرة الإيمانِ إذا ثبتتْ وقويتْ أصولها وتفرعت فروعُها، وزهتْ أغصانُها، وأينعت أفنانها عادت على صاحبها وعلى غيره بكلِّ خيرٍ عاجلٍ وآجل في الدنيا والآخرة. (1)
وثمارُ الإيمان وثمراته ِوفوائدهِ كثيرةٌ قد بينها الله سبحانه وتعالى في كتابهِ الكريم.
فمن أعظم هذه الفوائدَ والثمارِ:
أولاً: الاغتباطُ بولاية الله الخاصة ِالتي هي أعظمُ ما تنافس فيه المتنافسون، وتسابق فيه المتسابقون، وأعظم ُما حصل عليه المؤمنون.
قال تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوالْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64 [يونس/62 - 64].
فكلُّ مؤمن تقي، فهولله وليٌّ ولايةً خاصةً، من ثمراتها ما قاله الله عنه: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (257) سورة البقرة.
لتحميل الكتاب